يرى ديفيد هيرست أن المشهد في الضفة الغربية يكشف بوضوح عن الوجه الحقيقي للصهيونية، فالهجمات السنوية التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون خلال موسم قطف الزيتون تحولت هذا العام إلى حملة مسعورة. بعد حرب إبادة استمرت عامين في غزة، أطلق المستوطنون العنان لمحاولة طرد الفلسطينيين من أراضيهم، في تجسيد مباشر لشعارهم "الأرض بلا عرب". الزيتون، رمز الأرض والهوية الفلسطينية، صار هدفاً لقطعٍ ممنهجٍ يعادل في قسوته اقتلاع الأعين من الوجوه، كما وصفت الفلسطينية عفاف أبو علية بعد تعرضها للضرب من المستوطنين.
ويشير هيرست إلى أن هذه الاعتداءات ليست حوادث فردية بل ممارسة منظمة مدعومة من الجيش والشرطة والمحاكم الإسرائيلية، هدفها الواضح هو التطهير العرقي وتوسيع السيطرة على الأرض. فالمستوطنون يهاجمون المزارعين، والجنود يطلقون الغاز والرصاص على الضحايا، والشرطة تعتقل الفلسطينيين بدل المعتدين. حتى الكنيست يشارك في المخطط بإقرار مشاريع قوانين لضم المستوطنات رسمياً إلى السيادة الإسرائيلية، بدعم من حزبي الليكود والمعارضة على حد سواء، في مشهد يؤكد غياب أي معارضة حقيقية لفكرة الضم.
ويضيف أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يقود خطة واضحة لضم 82% من الضفة الغربية تحت شعار "أكبر قدر من الأرض بأقل عدد من العرب". ومنذ بداية موسم الزيتون، وثّقت الجهات الفلسطينية 158 هجوماً للمستوطنين تحت حماية الجيش، ما أدى إلى تراجع غير مسبوق في إنتاج الزيتون، بينما اقتُلعت أو أُحرقت عشرة آلاف شجرة يعتمد عليها نصف السكان كمصدر رزق. ومع تزايد العنف، خسر الفلسطينيون إمكانية الوصول إلى نحو خُمس أراضيهم الزراعية.
في المقابل، ينشغل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما يوضح الكاتب، بتكريس سلطته أكثر من مواجهة الاحتلال. فبدلاً من إصلاح السلطة أو التحضير لانتخابات، أصدر عباس مرسوماً جديداً يضمن لخلفه المعيّن، حسين الشيخ، تولي الرئاسة "مؤقتاً" في حال عجزه عن أداء مهامه. الشيخ هو رجل واشنطن وتل أبيب، يفتقر إلى الشعبية، لكنه مقبول دولياً. بهذا المرسوم، يغلق عباس الباب أمام أي منافس، خصوصاً الأسير مروان البرغوثي الذي يتزايد الحديث عن احتمال الإفراج عنه.
ويؤكد هيرست أن عباس لم يُجرِ انتخابات منذ 21 عاماً، وألغى عمل المجلس التشريعي حتى لا يورث السلطة لخصومه في "فتح" أو "حماس". ومع أن إسرائيل تواجه اتهامات بالإبادة في غزة، فإن عباس يواصل سياسته القديمة في استبعاد حماس من أي حكومة وحدة، مفضلاً طمأنة إسرائيل والولايات المتحدة على حساب المصالحة الوطنية.
ويكشف الكاتب أن وثيقة داخلية سعودية مسرّبة دعمت هذا التوجه، إذ وصفت حماس بأنها "عقبة أمام جهود السلام"، ما يعكس اتفاقاً عربياً ضمنياً على تهميش المقاومة مقابل السعي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وردّ سموتريتش بسخرية قائلاً للسعوديين: "استمروا في ركوب الجمال في الصحراء، بينما نواصل تطوير دولتنا".
ويرى هيرست أن الوضع في رام الله يشبه إعادة ترتيب المقاعد على سفينة "تيتانيك" قبل غرقها. فعباس الذي تشبث بالسلطة أكثر من عقدين، يكرر أخطاء نتنياهو في قتل فكرة الدولة الفلسطينية، لكنه يفعل ذلك من الداخل، عبر مؤسسات هزيلة فقدت شرعيتها. أما حماس وفصائل المقاومة، فيبدو أنها ستبقى أطول منه عمراً، في غزة والضفة والشتات، بينما تغرق السلطة الفلسطينية أكثر فأكثر في العزلة والانقسام.
https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-devours-west-bank-abbas-busy-rearranging-chairs-titanic

